بـ"عقيدة وثبات" عقدت حركة "أمل" مؤتمرها الرابع عشر في بيروت وذلك بعيد الانتهاء من رزمة الانشطة المكثفة من انتخابات نيابية وذكرى تغييب ​الامام موسى الصدر​ ورفيقيه وذكرى ​عاشوراء​، وكانت أجواء المؤتمر اكثر من منتجة وهادئة، حيث كان هناك قراءة متأنيّة للمرحلة السابقة ووضع أهداف للمرحلة المستقبلية بما يخدم افكار الحركة وتطلعاتها، بعيدا عن الحملات الإعلامية التي حاولت التشويش او الضغط على المؤتمر والمؤتمرين، لجهة الحديث عن التعديلات الكبيرة او حتى الحديث عن استقالة رئيس المجلس النيابي ​نبيه بري​ من رئاسة الحركة اثر ​الانتخابات النيابية​ الاخيرة او زعزعة ثقة الحركيين بقيادتهم.

"انطلاقة ثانية"

وشكل المؤتمر بما خرج به من توصيات "انطلاقة ثانية" او كما سماه بري "مؤتمر عين البنية السياسي"(1)، لما يشكل من اندفاعة كبيرة وهامّة للحركة على صعيد الاداء والمحاسبة، وذلك بعد سرد تفصيلي من رئيس الحركة بما يشبه "مفاجأة" لجهة إطّلاعه على أدقّ التفاصيل والخروقات التنظيمية من المسجد الى البلدة والشعبة الى رأس هرم القيادة، ومعرفته بكل تفاصيل الانتخابات النيابية بإيجابياتها وسلبياتها، وهو ما ترك أثرا إيجابيا كبيرا جدا في صفوف قيادة الحركة، واعتبر أملا كبيرا للمستقبل، خاصة مع وضع توصيات وآليات عمل مهمة.

"الثغرات والتوصيات"

من أهم الأمور التي شدّد عليها رئيس الحركة بعد المصالحات في القرى والبلدات التي لم تنجز اثر الانتخابات البلدية واثّرت سلبا في الانتخابات النيابية، هو ملف المحاسبة والرقابة حيث ستكون مشدّدة داخليا في التنظيم وليس فقط على صعيد الدولة ومكافحة الفساد، وقد اعلن رئيس الحركة ان المؤتمر هو "الصعود الى تحت" إذ أنّ القاعدة تشكل أساس التنظيم والعمل الحركي في المناطق، حيث سيتم وضع آلية عمل جديدة للتواصل بين رأس الهرم وأسفله، كما العمل على اعادة النظر بالجغرافيا التنظيمية، وقد اتخذ المؤتمر قرارا حاسما لجهة عدم الجمع بين المسؤولية التنظيميّة وبين النيابة او الوزارة، كما بدأ العمل لتطوير القطاع النسائي في الحركة لما تشكله المرأة من اساس في المجتمع والعائلة.

نتائج الانتخابات النيابية لم تكن بعيدة عن المؤتمر، لجهة ضعف المشاركة الحركيّة، والنتائج المهمة التي لا يمكن اغفالها لكتلة "التنمية والتحرير" وعدم الانشغال في التفاصيل، لان الكتلة سجلت عودتين مهمتين في ​الضاحية الجنوبية​ وفي ​البقاع​ الغربي وعدم خرقها في اي مكان ترشّحت به كما انها تشكل الكتلة الثالثة في البرلمان من حيث العدد، الا ان النتائج للانتخابات لا تغفل أن فقط 25 % من الحركيين وجمهورهم شاركوا في الانتخابات النيابية، وهو ما جعلها وقيادتها تجري تقييما شاملا للمرحلة السابقة وللأداء في الانتخابات بكل شفافية ووضوح لتغطية الثغرات والعمل على حلها في الفترة المقبلة.

واكد المؤتمر العام الرابع عشر لحركة "أمل" وبشكل قاطع أن "فكر الامام الصدر هو النص المرجعي الوحيد عقائديا وفكريا وسياسيا الذي تعتمده". واعلن بري "إلغاء الطائفيّة السياسيّة داخل الطائفة باعتماد الكفاءة كمعيار وحيد للتوظيف لا اكتر وهذا الموضوع تم بالاتفاق والتنسيق مع الحلفاء في "​حزب الله​"، فهناك 14 الف شيعي تقدّموا لدورة ​قوى الامن الداخلي​ لملء 400 مركز شاغر، وعليه لا "واسطة" لاحد وستكون "الكفاءة" هي الوسيلة الوحيدة لاختيار المرشحين لاي وظيفة.

"​المقاومة​ والحوار"

على الصعيد السياسي ستواصل الحركة في سياسة الحوار والذي كانت في طليعته منذ ​طاولة الحوار​ في العام 2006، وبعدها بالحوار بين حزب الله و​تيار المستقبل​ في ​عين التينة​ وما شكل من حوار سني–شيعي وحيد في المنطقة، وبعدها المصالحة الفلسطينية–الفلسطينية التي رعتها الحركة.

كما تم التأكيد على خيار المقاومة التي تشكل أفواج "أمل" طليعته منذ الطلقة الأولى في تلال شلعبون والطيبة عام 1977 بقيادة المسؤول التنظيمي الاول مصطفى شمران، مرورا بمواجهات خلدة وغيرها من العمليات البطولية والشهداء التي قدمتها طوال سنوات الاحتلال الى التحرير وصولا الى عدوان تموز 2006، حيث لم تبخل بالدماء في سبيل الوطن، وفي سبيل المصادفة كشف ​الاعلام الاسرائيلي​ في نفس يوم المؤتمر عن مسؤولية ​الجيش الاسرائيلي​ عن واحدة من ​عمليات الاغتيال​ التي نفذها ضد كادر مقاوم من ​حركة أمل​ في 12 أيار عام ١٩٩٤، وهو عبد الرضا سليمان عبد الرضا، من بلدة العامرية إلى الجنوب من ​مدينة صور​، حيث كان ينشط في تشكيلات "المقاومة" في التسعينات وأوجع العدو حتى إغتياله.

وقد عاهد المؤتمرون الشهداء "على مواصلة طريق المقاومة في وجه الإحتلال الاسرائيلي حتى تحرير الأرض، وبقاء ​القضية الفلسطينية​ على رأس سلم أولويات الحركة. وأكدوا وقوفهم الى جانب ​سوريا​ و​العراق​ و​ايران​ في مواجهة ​الارهاب​"، ودعت الحركة للحوار والحل السياسي كسبيل وحيد للخروج من الازمة اليمنيّة.

"الجمهور والقيادة"

وبعيدا عن التفاصيل والدخول في الاسماء والتعيينات، يبقى الأهم هو منهجية العمل الذي وضعته وستعتمده قيادة أمل في المرحلة المقبلة، بمدّ جماهيري كبير جدّد لها الثقة في 31 آب المنصرم في ​بعلبك​ وفي ذكرى عاشوراء، والذي وضع حدا للأقاويل بعد الانتخابات، ومن هذا الوهج الجماهيري الكبير انطلق مؤتمرها الرابع عشر في إعداد صيغ العمل للمرحلة المقبلة، لتبقى حركة اللبناني نحو الأفضل، والتي لا تهزها شائعات ولا حملات ولا نكسات، بثقة جماهيرية وورشة عمل كبيرة ستظهر نتائجها تباعا.

(1) في 5-7-1975 حصل انفجار عين البنية في البقاع واودى بحياة عدد من الأشخاص والجرحى أثناء اول دورة تدريبية عسكرية ل​حركة امل​، وعلى اثر هذا الانفجار اعلن الامام موسى الصدر انطلاق افواج المقاومة اللبنانية امل في وجه ​الاحتلال الاسرائيلي​.